تشهد ولاية صفاقس هذه الأيام حالة من الاحتقان والاحتجاجات نتيجة الانقطاع المتكرر والمتواصل للماء الصالح للشراب حيث أقدم يوم أمس متساكنو مناطق طريق منزل شاكر كم 4 وقصاص واد الشعبوني وزنقة ولها وزنقة دمق على غلق الطريق وحرق العجلات المطاطية معبرين عن سخطهم من الوضعية التي يمرون بها لأكثر من شهر والتي زادها حدّة نضوب المواجل نتيجة شحّ الأمطار خلال الشتاء الماضي
صفاقس تسجّل عجزا يوميا بحوالي 35 ألف متر مكعب من الماء
تقدّر حاجيات ولاية صفاقس من الماء الصالح للشراب بحوالي 225 ألف متر مكعب في اليوم تؤمن منها الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه حوالي 190 ألف متر مكعب في اليوم وهو ما يولّد عجزا يقدر بحوالي 35 ألف متر مكعب في اليوم
رغم القرارات …العجز متواصل!
ولتأمين تزويد المناطق الحضرية والريفية بالماء تم الاتفاق خلال اجتماع المجلس الجهوي للمياه لسنة 2021 الذي انعقد خلال شهر جوان الماضي بمقر ولاية صفاقس على جملة من القرارات لتدعيم منظومة التوزيع الحالية ولسد النقص المسجل على غرار حفر 8 ابار جديدة وتفعيل الاتفاقية المبرمة بين الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والمجمع الكيميائي بالصخيرة SIAPE لتخفيف النقص الحاد للمياه الذي تشهده معتمدية الصخيرة
احتقان شعبي ضاعفته أزمة الكورونا
ورغم هذه القرارات فإن مختلف مناطق ولاية صفاقس تعيش على وقع الانقطاعات المتكررة للماء الصالح للشراب فلا يختلف الأمر كثيرا بين المدينة والريف ولا بين البناءات العمودية ولا المنازل العادية فحتى المحركات الكهربائية التي يتم تركيبها لتقوية سيلان المياه لم تعد تجد نفعا:
أميرة مواطنة تقطن بطريق العين كم 2 تقول إن الماء الصالح للشراب لم يعد صالحا إذ تغير لونه إلى بني وهو ما خلف أضرارا خاصة على مستوى غسالات الملابس
أما ليلى التي تقطن بطريق منزل شاكر كم 5 فتناشد السلط المعنية بالتدخّل العاجل لإعادة توزيع الماء مبيّنة أن الانقطاع يتواصل لأيام وأن متساكني المنطقة يتردّدون على جارهم الذي يملك ماجلا للظفر ببعض القوارير للشرب والطبخ
بدوره طالب المواطن محمد في تصريح للديوان أف أم الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بتوفير حلول في ظل انتشار وباء كورونا وارتفاع درجات الحرارة مؤكدا أن متساكني حي الحبيب أحد أكبر الأحياء الشعبية في الجمهورية التونسية يعانون الويلات جراء الانقطاع المتواصل للماء الصالح الشراب الذي يعود إلى التدفّق ببطء خلال ساعات الفجر الأولى عندما ينخفض مستوى الاستهلاك
تاريخيا… صفاقس قرعة العطش
شحّ الأمطار ونقص الماء رافقا صفاقس عبر التاريخ حيث سميت المدينة بقرعة العطش أي الأرض الجرداء القاحلة على غرار قرعة لماية في طريق منزل شاكر وقرعة لجيلة في طريق قرمدة أو صفاقس العطشانة
معاناة صفاقس عبر التاريخ من قلة الماء والجفاف كان نتيجة لمناخها شبه الجاف حيث لا يتجاوز فيها معدل التساقطات الـ 200 مم في السنة وهو ما نقله الرحالة والمؤرخون لتاريخ صفاقس:
إذ قال فيها ابن حوقل في القرن 10 ميلادي “وشرب أهلها من مواجل بها وهي صالحة الطعوم’
كما قال التيجاني في رحلته إلى صفاقس في القرن 14 ميلادي ‘وماؤها شرابها لا يصاغ وإنما يعتمدون في شربهم على ما يدخرونه من مياه الأمطار’ في إشارة إلى الابار المالحة التي يقومون بحفرها
أما في القرن 13 فقال أحد الولاة ‘ في صفاقس لا صفا عيش لساكنها… ولا سقى أرضها غيث إذا انسكب’
صعوبة المناخ في صفاقس دفعت ببعض متساكنيها إلى امتهان بيع الماء الذي يجلبونه من المناطق البعيدة ليزوّدوا به سكان ‘البلاد العربي’ ويسمّى صاحب هذه المهنة ب’ النقال’ أو ‘الطرّاق’
في صفاقس: ماجل في كلّ بيت
بيت برع آهالي صفاقس عبر التاريخ في بناء المواجل وصيانتها وتعقيمها لخزن المياه لمدّة طويلة وعرفت عديدة المناطق فيها بهذه التسمية على غرار:
– مواجل البقر (1156 م) في طريق تونس كم 2.5 والتي ارتبطت بحادثة الحاجوجة
-مواجل الناصرية من أشهر مواجل صفاقس نسبة للأمير الموحدي محمد الناصر الذي قدم لتحرير تونس من الاحتلال النورماني في 1160 ميلادي وعند مروره بصفاقس عاين معاناة أهاليها من العطش فأمر ببناء 366 ماجلا تكفيهم لكامل السنة وبلغ عددهم فيما بعد حوالي 800 ماجل لتلبية حاجيات المتساكنين من الماء طيلة قرون
-ماجل الزاغة الذي بني تحت الجامع الكبير من الجهة الشرقية في المدينة العتيقة الذي تم تصنيع السلاح داخله لدحر النورمانيين
-مواجل المنشية في طريق سيدي منصور كم 4 ومواجل الخيرية في طريق المهدية كم 5 ومواجل الدرج في طريق قرمدة كم 35 ومواجل السبعة في طريق العين كم 4 وزنقة السطحة في طريق تنيور كم 7 وسطحة التونسي وغيرها …
هل ستمثّل محطّة تحلية مياه البحر حلّا للماء في صفاقس؟
أفاد المدير الجهوي لاستغلال وتوزيع المياه بالجنوب أحمد صولة أن 85 بالمائة من احتياجات صفاقس من الماء الصالح للشراب تأتي من خارج الولاية مبيّنا أن صفاقس تأتي في نهاية شبكة التوزيع وبالتالي فإن الكمية التي تصلها مرتبطة باستهلاك باقي الولايات الممتدة على طول الشبكة من الشمال مرورا بالساحل والوسط ووصولا إلى صفاقس
كما أكد صولة أن ولاية صفاقس ستمرّ بصائفة صعبة نتيجة ارتفاع الاستهلاك وارتفاع درجات الحرارة مع شح الامطار وتراجع منساوب المياه بالسدود مضيفا في تصريح للديوان أف أم أن محطتي تحلية مياه البحر بالزارات من ولاية قابس وقرقور بصفاقس ستساهمان في تغطية العجز الذي تعيش على وقعه ولايات الجنوب
فبخصوص محطة صفاقس فعبّر المدير الجهوي لاستغلال وتوزيع المياه بالجنوب عن أمله في ان تنطلق أشغال المحطة في شهر جويلية الجاري بعد إمضاء الاتفاقية مع المزوّد للشروع في بناء المحطة التي شارفت عملية ربطها بشبكة الكهرباء على الانهاء حيث بلغت نسبة تقدّم الاشغال حوالي 90 بالمائة
أما عملية مد القنوات باتجاه الخزانات فبلغت نسبة 50 بالمائة على أن يتم قريبا الشروع في بناء الخزانات التي سيقع عبرها توزيع الماء باتجاه الشبكة
تأخير يتجاوز الـ 3 سنوات في انجاز محطة صفاقس!
أزمة الماء الصالح للشراب المتواصلة في صفاقس عمّقتها أزمة التأخير الحاصل في إنجاز محطة تحلية مياه البحر الذي كانت من المنتظر أن ترى النور في سنة 2020 على أن تنطلق أشغالها في سنة 2017 حسب ما صرح به في وقت سابق وزير الفلاحة الأسبق سعد الصديق للديوان أف أم
نحو انتاج 200 ألف م3 يوميا من الماء الصالح للشراب
تقدر طاقة محطة تحلية مياه البحر بصفاقس والتي ستقام بمنطقة قرقور جنوب مدينة صفاقس بـ 100 ألف متر مكعب في اليوم في مرحلة أولى لتصل الى 200 ألف م3 يوميا في مرحلة ثانية.
وستساهم هذه المحطة في مجابهة النقص الفادح في مياه الشرب في ولاية صفاقس وتحسين نوعيتها وتأمين تزويد قرابة المليون ساكن بها بشكل منتظم إلى حدود سنة 2035.
وتمتد فترة الانجاز على مدى عامين ونصف، عبر مساهمة من ميزانية الدولة بقيمة 130 مليون دينار وحوالي 800 مليون دينار في شكل قرض من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) يقع استرجاعه على مدى 25 سنة.
أزمة الماء المتواصلة عبر التاريخ هل سيقدر البحر الذي حرمت منه المدينة لعقود على حلّها؟
كاتب المقال هدى ورغمي